أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (9)

محمد نجيب عبدالكافي

جرّني قلمي – يا حسرتاه على القلم ومداده – بل جرّتني لمسات لوحة الكتابة عبر أو بِ أو في هذا الحاسوب العجيب – إلى التعرّض، خلال حديثي عن ثورة الجزائر، إلى وضع وموقف ليبيا من تلك الثورة وكان لزاما، كي تتضح الرّؤيا، أن تقع الإشارة، ولو لماما، إلى مشاكل وأزمات المنطقة والعالم لكنّي لم أفعل آنذاك فها أنا أستدرك وأعتذر. من عرف فقدد عرف، ومن لم يعرف أقول له إن الفترة التي أتحدّث عن أحداثها تمتدّ من أول الخمسينات إلى منتصف الستّيات من القرن الماضي. ليس من السهل فهم وضع ليبيا الفتية آنذاك، ليبيا التي تريد أن تثبت استقلالها وأن تقف بنفسها، فتنهض دولة مسلمة عربية متفتحة، مادّة يد التّعاون والتّآزروالتعامل مع كلّ دولة ومنظمة تحبّ الأمن والسلام والتقدّم والرفاه لكلّ إنسان وبيئته في كلّ مكان.

الملك أدريس السنوسي والرئيس جمال عبد الناصر والسيد محمود المنتصر رئيس الوزراء الليبي
الصورة من أرشيف السيد أبوالقاسم محمود المنتصر: الملك أدريس السنوسي والرئيس جمال عبد الناصر والسيد محمود المنتصر رئيس الوزراء الليبي في لقاء علي هامش مؤتمر القمة العربي الذي عقد في فندق فلسطين بمدينة الاسكندرية 05/09/1964م.

أين وكيف: أين يمكن لليبيا أن تقف ياترى، بهذه النوايا وهذه الطموحات وهي محاطة بالصّراعات والخلافات؟ حرب في فلسطين وأخرى بالجزائر وثالثة باليمن تواجهت من أجلها الأختان مصر والسعودية، ومشروع حلف بغداد ناصرته دول وعارضته أخريات، خلاف حاد تلته قطيعة بين مصر الأخت الكبرى وتونس الشقيقة المتقاسمة معها الأنساب والأصهار؟ كيف يكون التصرّف مع سوريا وسلسلة انقلاباتها؟ تأيّد من وتعارض من والكلّ “صوابع عسل”؟ أين لها أن تقف دون ميل ولا محاباة، مع الحفاظ على مبادئها ومسالمتها ؟ أمام هذا، تصرّفت برصانة وتدبّر حسب مبادئها ومشاعرها، ومقتضيات سلامتها ومصالحها، فحضرت غائبة أو غابت حاضرة، وسعت بالحسنى لتقريب ذات البين، لكنها لم ترض أحدا في الخارج وأغضبتنا في الدّاخل فنال المسؤولون مختلف أنواع اللوم والعتاب والنعوت والأوصاف وحتى الشتائم. استعملت ضمير جمع لأني – اعترافا بالخطأ وقول الحقيقة – كنت ضمن الغاضبين المستائين الناقدين، دون أن أكون من الناعتين بالنعوت الشداد لأني تعلّمت، من أكبر استاذ، سعدت بتكويني بين يديه في هذه المجالات وهو الزعيم الدكتور الحبيب ثامر، تعلمت وجوب احتمال الخطأ عند الإدلاء بأي حكم أو اتخاذ أيّ قرار.

حكم الزّمن: دارت الأيام وتابع الزمن مجراه، فبلغنا الكهولة ولحقتها الشيخوخة، فتجمعت لدينا التجارب والخبرات، واطلعنا على ما كان خافيا من المؤثرات، ولمسنا النتائج هنا وهناك، فعرفنا وتيقنا أننا أخطأنا وأصاب الذين ظلمناهم. غفر الله لنا وأغدق عليهم كريم جزائه فهو لا يضيع أجر من أحسن عملا.

أحسن الكثيرون فظُنَّ بهم سوءا، وأساء كثيرون فأُغدِق عليهم الثناء وظُنّ بهم خيرا بينما الحقيقة الحقة لا تظهر فيسطع نورها، دون ضباب أو سحاب، إلا بمرور الزّمن لأنه الوحيد الكفيل بالإفصاح والإيضاح. أشعر أحيانا بدافع نحو المقارنة بين أشخاص أو أوضاع أو إنجازات، لكنّي أعدل لعلمي أنّ لكلّ عمل ظروفه ومسبّباته وإطار نجاحه أو فشله. لذا لابدّ من وضع الأمور داخل إطارها، وضمن الظروف والعوامل المحيطة بها، قبل الحكم عليها أو لها وقبل إبداء أي راي في منجزيها، وهذا ما أجهد النّفس والعقل وأكثر من البحث والاطلاع لأضيف ما قد أحصل عليه إلى ما عشته ولمسته، بحثا عن ليبيا التي عرفت. فأين ليبيا التي عرفت ؟ للحديث بقية إن طال العمر.

_______________________________________________

الصورة من ارشيف السيد أبوالقاسم محمود المنتصر: الملك أدريس السنوسي والرئيس جمال عبد الناصر والسيد محمود المنتصر رئيس الوزراء الليبي في لقاء علي هامش مؤتمر القمة العربي الذي عقد في فندق فلسطين بمدينة الاسكندرية 05/09/1964م.

مقالات ذات علاقة

حول ثقافة المسؤولية

أمين مازن

  الزمن الأُسي

أحمد معيوف

دعوة لنقاش موضوعي

جمعة بوكليب

اترك تعليق