المقالة

أول الولع

من أعمال التشكيلي محمد الخروبي.
من أعمال التشكيلي محمد الخروبي.

الكلمة النازفة في محراب الصدق، الكلمة المختلفة التي تمشط شعر الخيال وتسرحه في أحلى صورة حينا وتناكشه احيانا أخرى…

الكلمة المخترقة لأنين الروح النازلة بردا سلاما على أرواحنا الباحثة عن معنى في كون وعالم لا يعترف قادته بالمعنى قدر شغفهم بتحقيق انتصارات واهمة لجيوبهم المزدانة بمليارات الدولارات فوق جثث المحلقين الى عليين قرابين فداء لأوطانهم السليبة النائمة في حضن الوجع.

الكلمة التي بها ولها تشغف الروح وتهيم في ذرارى وهطول سراديبها المغلقة وطرقها المكشوفة، الكلمة الثاقبة نسيم الروح بهدوئها وسكينتها حينا والملعونة المطرودة من أوطانها احيانا اخرى، الكلمة المتفردة الحقيقية لا يحلو العشق الا لها.

هي العاشقة المرصودة الأبدية في محرابها، تلملم مساءات العمر رفقتها فتهديها ألفة حضورها الطاغي فلا تملك سوى أن تستجيب لسحرها لتتوسد كتفها، هي أول الولع والانتماء الملتصقة بشظايا الروح الهائمة في ملكوت المختلف.

متهمة هي بارتكاب فجيعة عشقها لها فلا مهرب منها إلا إليها، هاربة هي من القبيلة التي صبت عليها لعناتها لأنها اختارتها طريقا وعشقا وولعا لا فكاك لها عنه.

بعشق العارفين الذين تهجوا أبجدية الحياة بين أحضان تشكلات الحروف تصادق نصوصها القادرة على اختراق لهيب الروح التي تحفر بأظافرها في لحم أيامها وحده النص الحارق الخارق يهز روحها ولا يعود ما كان كما كان.

اللغة المنثورة فوق صفحات الملمس الورقي الدافئ اللغة المتشمسة تحت الملمس البارد لحاسوبها الذي تتشكل صفحاته بالألوان فلا تخلبها صوره البصرية ولا تنقاد لها قدر ما تنقاد وتنجذب بمس سحري غامض لكل بحار اللغة المتشكلة بفيض ابداع جمالي منثور فوق صفحات الحاسوب المتحرك بفعل زرة فأرة ماكرة، هي كل ما يدهش الروح ويطلق دهشة الحواس ويستنفر صفارات الإنذار المعلنة التي ليست بالضرورة سمانية لتصفر في تلافيف دماغها العاشق لأسئلة لن تجد إجابة عليها مطلقا.

اللغة العارفة، اللغة المعرفة، الملغزة، المشفرة، العارية، المستترة، المتلاعبة بحقول الكلمات التي تنكشف ويظهر زيفها مهما اختفت خلف ألف حجاب وحجاب اللغة الرزينة العاقلة، المباركة كبركة النبيين والقديسين، اللغة المارقة الملعونة كلعنة رامبوا في صحاري عدن القصية، اللغة المتشككة بجحيم أسئلة كزنتازاكى اللغة الضاجة بالعشق بجنون قيس في صحاري العرب الغابرة، اللغة الروحية بفيوضات أبن عربي والنفري والمثنوى والسهروردي، اللغة الباحثة عن روحانية الوجود لصانع الرؤى المختلفة بابو كويلو.

اللغة المتفلسفة الهادئة في استشراق الغرب في الشرق، والبحث عن كينونة وطن يريد الأخر محوه من الذاكرة والتاريخ اللغة المخلخلة لنفاق وزيف مجتمعاتنا العربية النائمة على أطلال المجد الغابر والمشرحة بمبضع هشام شرابى.

اللغة المتشظية في نزف الحالمات الناقشات في دفاترهن اضاءتها الخلابة، اللغة المعشوقة التي ارتكبنا تهمة عشق التعاطي مع جمالياتها وطيرنا من أجلها خيارات لاحت في اعمارنا.

من أجلها نذرنا بخور العشق وغصنا في مفاتن هيامنا بأسئلتها، اللغة التي هز مبدعي الأرض جذع نخلتها العامرة، فتساقطت علينا ثمار كلماتها المهدهدة للروح حينا وعربدت بجنونها في سراديب ارواحنا عناقيد شراستها العنيفة احيانا اخرى.

نعترف بأننا احببناك وعشقناك وكنت الموطن والملاذ، وارتعشنا امامك باللهفة والعشق كما ترتعش باقي بنات جنسنا أمام فترينات أفخر تشكيلات الموضة وأرقى صيحات ماركات تلوين وتزويق الوجوه، حلمنا وبعض الحلم خطيئة بأن نرى البعض يصاب بلوثة عشقك كما ابتلينا بعشقك يا أجمل خطايانا.

حلمنا وبعض الحلم خطيئة في عرف الأخرين الذين لم يتذوقوا رعشة عشق جمالك ولم يكتشفوا تجييرات البهلوانين لحروفك لتغطية عين الشمس بغربال الكلمات المتقلبة حسب المصالح.

حلمنا بأن نراك أعلى قيمة وأرفع مكانة في كوكبنا القاسي علك يا أجمل اللغات تزرعين المحبة في قلوب علاها صدأ الحقد والكره، حلمنا وبعض الحلم خطيئة في أوطان تقتل كل الأحلام أن يعشقك الأخرون، لذاتك وبذاتك من غير مطمع في مركز او مال او شهرة زائفة فالعشق لا يكون الا لك صافيا نقيا طاهرا لا غاية فيه سوى عشقك لذاتك لإعلاء قيم الخير والحب والجمال.

حلمنا وبعض الحلم خطيئة أن يعشقك الجميع عله تهجر أدمغتهم العناكب المعششة في خوذات الرؤوس المغلقة منذ قرون، وان يصاب بلوثة مسك كما اصابتنا كل الذين لم يعرفوا طريقك مستسلمين لطراوة التحنيط المخدر للعقول عشقناك يا أجمل ملاذ وأجمل ميناء وأجمل منفى ودفعنا بالكامل ثمن عشقنا لك ولسنا نادمين وابدا لسنا أسفين.

مقالات ذات علاقة

الحقيقة في نهاية ليبيا التي نعرفها – الجزء الثاني

محمد علي المبروك

الدراما في رمضان.. غزارة في الإنتاج.. وتنوع في المدن

إنتصار بوراوي

الله بالمجان…

المشرف العام

اترك تعليق