طيوب النص

أنا البحرُ ..

شاطئ بوهريشيما ( 35 كم شمال شرق اجدابيا ) السبت /10/8/2013 ، والصورة بعدستي للشاطئ ذاته
شاطئ بوهريشيما ( 35 كم شمال شرق اجدابيا ) السبت /10/8/2013 ، والصورة بعدستي للشاطئ ذاته

آتيكَ هاربًا من كلِّ شيءٍ ومنِّي .. محمَّلاً بأكداسٍ من همومٍ وجراحٍ وعذاباتٍ .. آتيكَ باحثًا عنِّي .. عنِ الطِّفلِ المشاغبِ الذي انفلَتَ منِّي ذاتَ افتتانِ وتوغَّلَ فيكَ .. ولمَّا يعدْ إليَّ.. !؟

آجيئُكَ أبحثُّ عنه .. عنِ المَوْجِ والشَّمْسِ والنَّسَمَاتِ .. عن هدوءٍ يرتكبُهُ صَخَبُك .. وعن ضوضَاءَ تقترفُها أمواجُكَ .. تهَامِسُني بفوضاكَ .. تسكبُ هَمَسَكَ مباشرَةً في القلبِ .. لعلَّكَ أردت أن تتفرَّغَ أذناي للإصغاءِ لَكَ.. لبوحِكَ .. ونوحِكَ .. وقصائدِكَ السِّرِّيَّةِ .. للإنصاتِ لهمسِكَ .. لأسرارِكَ .. وغموضِك..

أنا البحرُ أنا .. هأنذا أَنْصِبُ للملاحِ شباكي مستعيضًا عن طرقِ الجاحظِ لإيقاعِها في حبائلي .. أبحثُ عن حسناءِ فكرةٍ .. أو فكرةٍ حسناءَ .. أستقرئُ في الأفقِ البعيدِ المنحني كعجوزٍ أحدبَ .. أستدعي ممالكَ غاربَةً .. أزمنةً وَعُصُورًا وتواريخَ .. سفنًا ترسو وتقلعُ .. أعلامًا تخفقٌ وتختفي .. وجوهًا تطلُّ وتغيبُ .. شموسًا تسطعُ وتغربُ .. بحَّارةً حالمينَ .. قراصنةً ومرتزقةً .. تجَّارًا يحلمونُ بالثَّرَاءِ .. ومسافرينَ بسطاءَ ..

كم أنتَ كبيرٌ يا صديقي البحر َ ، آتيكَ مكتظًّا بألفِ همٍّ .. أدفنُ في رمالِكَ نصفي .. وأتركُ الخيالَ يسافِرُ فيكَ طليقًا .. فيمضي بعيدًا بعيدًا ..

أخطو على شاطئكَ مخفِّفًا خطوي .. أستحي أن أدوسَ على رملِكَ الملتهِبِ بأثرِ أقدامِ عشَّاقٍ عابرينَ .. لم تزلْ كلماتُهُم الدَّافِئَةُ المُعَبَّأةُ بَالوَلَهِ تخفقُ هنا .. هنا ظلالِهم .. وخطاهم .. همسهم . وضحكاتهم .. تباريحهم وتشاويقهم .. وحكاياهم الآسرة .. شقاواتهم وشيطاناتهم .. كم من عاشقٍ مرَّ من هنا .. تركوا بصماتِهُم على رِمَالِكَ لهفًا وهمسًا وغزلاً وقبلاتٍ … أيُّ لحظاتٍ حميمةٍ دافئةٍ وَارَتْهَا الموجَاتُ اللاهيَاتُ .. أيُّ أسرارٍ كتمَتْهَا شطآنُكَ .. وأيُّ حكايا دَفَنَتْهَا الرِّمَالُ الأمينَةُ هنا ..!!؟

أيُّ قَصَائِدَ مُبْهِرَةٍ وَلِدَتْ على هذا الشَّاطِئِ الطَّويلِ .. العَتِيقِ ..

أَجيئُكَ .. مبتغيًا بحرًا لقصيدَتِي .. بحرًا لا حدودَ لَهُ .. وعن قوافي لا تحدُّهَا المَعَانِي .. قوافِي لا ضِفَافَ لها .. وَصَخَبٍ لا هُدُوءَ بعدَهُ..

أجيئُكَ .. أحملِنُي إِليكَ !. مُحَمَّلاً بأكداسٍ من همومٍ وجراحٍ وعذاباتٍ .. آتيهُ باحثًا عنِّي .. عنِ الطِّفلِ المشاغبِ الذي انفلَتَ منِّي ذاتَ افتتانِ وتوغَّلَ فيهِ .. ولمَّا يعدْ إليَّ.. !؟

مقالات ذات علاقة

فنتازيا

عبدالسلام سنان

موّال العـفة

رأفت بالخير

الكينونة

مفيدة محمد جبران

اترك تعليق