شاطئ مدينة سوسة
المقالة

أرأيتَ سوسة؟!

شاطئ مدينة سوسة
شاطئ مدينة سوسة

اْجل. اليوم رأيتها ترفل في حلة من الشمس والربيع والدفء والضياء. لكنها في جانب آخر تمضغ القلق وينتابها التثاؤب طوال النهار. تحتها اللؤلؤ والمرجان. ولكن. الطريق يمتد والأشجار والتلال. اترك ربوة الأطلال وانحدر من قورينا إلى رصيفها ومينائها القديم ابوللو. على يساري المنصورة ومن بعيد البحر في زرقته يلامس السماء.. يكونان لوحة بهية. تبارك الله. ثم بعد مشوار قصير عن يميني صمبر. والكروم والهندي والزيتون البري والقطعان والرعاة. والمطبات.. وبعض الرابش الخاص بالسيارات التي اتخذت من سهول الجبل مكانا يعانق التاريخ المعاصر ويزاحم القديم إضافة إلى ملوثات البيئة وأكياس القمامة. غلط بالطبع.. ولكن!!

امتداد أخضر وزاهٍ على مد النظر وبيوت وانتشار للمنتجعات وشقق للإيجار وأراض للبيع. قرى جديدة ستنهض ولابد في كل الأحوال من التخطيط المتناسق اللازم والمنظم. الجبل جميل ويحتاج إلى لمسات جميلة. ثم وادي البعور. اتساع وطيور تحلق. هنا معركة شهيرة بقيادة المختار ورفاقه انتصروا فيها على العدو القادم من بعيد. كانوا يدا واحدة وعزيمة واحدة وإرادة واحدة. ومن فوق السفح تلوح سوسة والضحى يلفها وليس الأصيل كما أشار علي محمد حمد المعلم بالثانوية في بنغازي عام 1953 الذي اصطحب طلبته إلى سوسة في زيارة في الربيع ونظم قصيدته الشهيرة تغزلا في سوسة. بعض إخوتنا التوانسة يحدث لهم الخلط كالعادة فينسبون القصيدة إلى سوستهم في تونس!
كان يعلمهم شجاعة الرأي. يقول لهم: دافع عن رأيك إلى درجة التعصب!! جيل وأساتذة. والطريق تتعرج وتنفسح وتضيق ثم سوسة التي يطارحها البحر الغرام والود. أقرب نقطة ليبية إلى أوروبا. أبناء عمومتنا في كريت. وهنا رأس السم الأقرب نقطة. وهناك في البحر يصب جرجار أمه.. الوادي الكبير بعد مسيرة طويلة من الإبعاد خلف الجبال والحواف. غير أن البحر الآن تملؤه المياه السوداء والمجارير وكل تفاصيل الأوساخ والقذارة.

وسوسة.. أرأيتها؟!
أجل. والفراغ والكساد الضارب أطنابه. والصيادون يشعرون بالوحدة سوى صداقتهم الأزلية بالشباك والبحر والأسماك. رائحة الشواء من بعيد. المتحف مغلق. مكتب الآثار تعشش في حناياه العناكب والحزن. والأزقة القديمة والمقاهي تغيرت. كلها كافيهات سريعة للمكياطة وفناجين الورق. تراث جديد بعد القهوة العربية والوجاق والجلسات الدافئة والراديو في زاوية المقهى. تراث العجلة والاستعجال.
هذا ميدانها. ذلك الجبل يتكىء في الخلف. هذا المبنى الذي قضى فيه المختار ليلته بعد أن أسر في وادي بو طاقة قرب اسلنطة. أحضر إلى هنا متعبا على حصان بدون سرج . والجروح والقيود. لم يذق شيئا من طعام الطليان في سوسة. ارتاح إلى قصعة شهية من بعض الأهالي. ذلك رواه لي منذ زمن السيد عيسى اكريم بودوا. شاهده أسدا رغم الجراح.. يصلي ويذكر الله ولا يطاطئ جبينه للطغاة. المختار رمز وشيئ آخر للوطن. في الصباح حمله الطراد (ارسى) من ميناء سوسة إلى بنغازي. المحاكمة ثم الإعدام في سلوق وسط المعتقل الرهيب. مكان مثل هذا تعوي فيه الريح. يظل مغلقا. ولا يلتفت إليه. لو كان فى بلد آخر.. لو. أذكر منذ فترة من السنوات تمثالين لأسدين في المدخل. أزيلا. وبقت في الخاطر والتاريخ ذكرى الأسد المهيب.

رحلت كل الأسود.
والطليان جعلوها عاصمة للجبل. اهتموا بها. وبآثارها. وحملوا بعضا منها إلى روما. مبان إيطالية وأبواب بوخوخة عتيقة كانت وراءها قصص وحكايات. خلف ستائر النوافذ ذكريات. أقام الطليان في المدينة مصنعا للمكرونة وآخر للنبيذ وإدارة عربية كان طاقمها في منتهى الإخلاص لمواطنيه يتكون من.. عمر جعودة وحسين مازق وعلى الهنشير وحسين غرور ومحمد السعداوية ووالده الشيخ مصطفى.. وغيرهم. كانوا يتابعون شؤون أبناء وطنهم وينحازون إليهم ويقضون حوائجهم وفق المتاح عقب استقرار الأمور الإدارية في البلاد. محمد السعداوية من جيل المعلمين الرواد وهناك نظم العديد من شعره الفصيح والعامي. هل ثمة من يهتم بذلك ويمسح عنه الغبار. وفي أيام الحرب العالمية الثانية كانت سوسة ملاذا لرومل وبعض قواته. عندما حدث الهجوم على مقره في البيضاء.. كان هنا في سوسة. كان يجيد الختل والمراوغة. وكثيرا ما ارتدى الجرد الليبي للتمويه!!
وسوسة تقابل أوروبا وبحرها بإمكانه أن يربطنا بها. رحلات تجارية وسياحية ونقل وثقافة وتواصل. هذا البحر أمامكم. فمن يحرك الساكن ويستقل السواقي؟
وبعد استقلال الوطن شهدت سوسة تكوين أول معسكر للجيش الليبي. معسكر الأساس وتدريب الجنود عام 1953. كان آمره نورى الصديق اسماعيل. أضحى لاحقا قائدا للجيش. التحق بالمعسكر أبناء ليبيا من كل الأماكن وتدربوا. بنوا الجيش لحماية الوطن. الجيش الذي لابد منه. وثمة مدرسة سوسة الداخلية الثانوية. طلبة من كل الأرجاء والمشرف بوفروة والناظر الأستاذ محمد الهنيد.. وحكايات التعليم والتضحية وإعداد الجيل. الجيش والمدرسة والوطن.
سوسة.. ماتخفى عن والي.. قرية تسوى كل مدينة. قالها بوصبرة فى اأهزوجة له عام 1965. سوسة تحتها يظل اللؤلؤ والمرجان والكنوز والتاريخ ويطوف حولها الشعر. وتضوع رائحة الغابات. تحتها يظل كل شئ دون استكشاف!!

مقالات ذات علاقة

حقيقة الطريق من مدينة الزاوية الى مدينة جنزور ، أياما مضت  

محمد علي المبروك

قباعيات 10

حسن أبوقباعة المجبري

أين ليبيا التي عرفت؟ (8)

المشرف العام

اترك تعليق