قراءات

عبدالمنعم المحجوب يناهض الكهنوت الإسلامي

ناصر السيد النور
ترجمة: عصام العبيدي

في هذا الكتاب المثير للجدل «بيان ضد الكهنوت الإسلامي»، يتناول المفكر واللغوي الليبي الدكتور عبد المنعم المحجوب قضايا شائكة حول اللاهوت في الإسلام.

يوظّف المحجوب كلا المنهجيتين التاريخية والأبستمولوجية لاستكشاف معضلة اللاهوت الإسلامي المتفاقمة. وتدعو مقاربته إلى التشكيك في صحة استخدام النصوص المقدسة في الإسلام كأساس وحيد للدين والإيمان والمعتقد. ولتعزيز استنتاجاته، يشير إلى المعالجات والتطورات التاريخية التي تسببت في تشعب المعتقدات في مناطق جغرافية واسعة.

يصرّ المحجوب على أن الطريق الصحيح لدراسة وفهم الإسلام يجب أن تكون من منظور نقدي. في المقابل، كان من المسلّم به بين اللاهوتيين،منذ القرن الميلادي السادس، أن الإسلام رسالة الله الحرفية التي وجهها من خلال رسوله محمد للعالم بأسره.

نادراً ما تصدّت النظريات النقدية للأفكار الإسلامية، بغض النظر عن محاولات العديد من المدارس الفكرية لتفسير الفلسفة الإسلامية باعتبارها مستمدة من الفلسفة واللاهوت (اللوغوس) اليونانيين. وفي الواقع، فإن اللاهوت التقليدي تذبذب بين تفسير الإسلام تفسيراً عقلانياً وبين رفضه بشدة. وكان من شأن ذلك في وقت لاحق أن يؤثر بشكل حاسم على تشكيل النظرة السائدة حول الإسلام في النظرية والتطبيق.

ما هو الجديد في تفسير المحجوب المختلف عن تفسيرات معاصريه؟

كُتب “البيان” بأكمله، وبشكل رئيس، من خلال تفسير أحادي، وهو أمر مربك، فالبيان ليس خطاباً بلاغياً، ولا هو ورقة بحثية متهافتةحول هذه الموضوعة. فما هو إذن؟

الكاتب عبدالمنعم محجوب

يقسّم الكتاب موضوعه إلى خمسة عشر مقطوعة نثرية طويلة. وكلمة “البيان” (مانيفستو) في العنوان مربكة قليلاً لأنها تشي بخطاب سياسي أقرب إلى أن يكون صادراً عن مؤسسة فعلية – كحزب سياسي مثلاً – أكثر منها طرحاً معرفياً نقدياً. بوجه من القول، فإن هذه المقاربة تبدو مسوّغة وفقاً للتقويض المنهجي الذي يمارسه المؤلف لمخزون اللاهوت في التراث الإسلامي.

نقد الإسلام الأرثوذوكسي هو مجاورة الحداثة للتقليد. وفيما يتعلق بالتقييم التاريخي، فهو مستمد من بعض المقاربات الإستشراقية التي كشفت عن مسارات فكرية مختلفة في التاريخ الإسلامي. ففي بداية القرن العشرين، اندلع الصراع بين الأصوليين والليبراليين في أوساط المثقفين العرب والإسلاميين في ما يسمى بعصر النهضة العربية. ومع ذلك، فإن “البيان”، وهو يسم التفسير التقليدي للإسلام بالأرثوذكسية، يقحم دراسة الإسلام، كدين ومعتقد، في حقل دراسات الأديان المقارنة. ولمزيد منالتأكيد، فإن مصطلح الأرثوذوكسية متعدّد الأوجه. إذ نشأ في المسيحية، ويُستعمل حتى الآن من قبل العديد من الديانات المختلفة. ويوضّح الكاتب أنه يقصد بالإسلام الأرثوذوكسي التقاليد الراكدة التي لا تزال قائمة في الإسلام كدين ساميّ ظهر بين العرب في سياق اجتماعي وتاريخي محدّد.

الإسلام، كما يستنتج الكاتب، هو نقطة مرجعية وثوقيّة في منظور العالم العربي، في حين يشمل الإسلام الأرثوذوكسي ذلك الجزء اللامفكّر فيه، وما وراء تاريخ meta-history جوهر الإيمان. ولهذا السبب فإنه يتخلى عن اللاهوت الإسلامي، الذي يعتبره نسيجاً فضفاضاً ومفهوماً عديم الأهمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإسلام الأرثوذوكسي مسؤول عن نشر الحركات الإسلامية المتطرفة والعنيفة، التي حاربت بشدة محاولات الإصلاح الأكثر تسامحاً عبر التاريخ الإسلامي. وهو مسؤول أيضاً عن تمكين أتباعه وتحفيزهم بخطاب تحريضي جامد مصمت.

يعرّف المحجوب مصطلحاته، وهو أمر حاسم، لأنه عندما يقول “الإسلام الأرثوذكسي” فإنه يعني شيئا بالغ التحديد. وكلغويّ، فإنه يتمسك بشدة باستخدامه للمصطلحات التحليلية وصياغة آلياتها الداخلية من خلال اللغة. وقد أثبت ذلك في عمل مرموق له هو “ما قبل اللغة”، وهو الكتاب الذي وضع بحثه بين الاكتشافات الأكثر تقدماً في مجال اللغات، وخاصة عائلة اللغات السامية. وكما جرت العادة، نجد أن اللغة قد لعبت دوراً حاسماً في مجادلات اللاهوت الإسلامي.

لقد انتهت المهمة المقدسة للقرآن عندما أوحى الله بآخر آية تلقاها الرسول. ومن تلك النقطة فصاعداً، لا شيء بخلاف نص القرآن المهيمن يمكن أخذه كحقيقة، لكن جهود العرب لتفسير القرآن تطورت لتصبح مجرد إشادات بلاغية، مما أدى إلى أن يكون الوسيلة وحيدة لقراءة القرآن والتفكير فيه. وهكذا، أصبح من المستحيل مقاربة النص المقدس (القرآن) من خلال أي منهج نقدي، سوسيولوجي، أنثروبولوجي، أو أدبي.

ويؤكد المحجوب أن المسلمين لم يكن لديهم سلطة موثّقة لمعتقداتهم، ولذلك اعتمدوا القرآن كخطاب كلّي للإسلام. و من ثّمَّ، فقد أصبح القرآن قياساً معيارياً metric تتم به محاكمة جميع المعارف والعلوم ومقايستها وتقييمها. وهو ما يعتبر نظاماً للحياة. وبالنسبة للكثير من العلماء والقادة السياسيين، فإن الإسلام لم يعد مجرّد دين، ولكنه نموذج سياسيّ لحكم الدولة وتنظيم الحياة.

وبالمثل، حاول علماء علمانيين وإسلاميين آخرين، تمت الإشارة لهم من قبل المؤلّف، فحص اللاهوت الإسلامي التقليدي وبذلوا جهوداً مشتركة قادها علماء مسلمين وسطيين ومفكرين أحرار. وتحقيقاً لهذه الغاية، يعود المحجوب لزيارة عصر الخلافة العباسية، وهي تلك الفترة من الثقافة التكوينية التي شهدت عملية واسعة النطاق من الترجمة واقتباس العلوم التي تم حقنها في الفكر الإسلامي. فمنذ ذلك الحين، قام رجال الدين والمتسلطون، وهم الحكام المطلقون للعالم الإسلامي، بتأسيس تحالف جديد. هذا التحالف هو نسخة من المرسوم السياسي الذي لا يزال سائداً في هذا العصر الحديث، وهو يصوّر العلاقة بين الحكام ورعاياهم من المسلمين.

في “بيانه” الطويل، يحاول الدكتور محجوب التعريف بأصول الفكر الإسلامي في سياق النقد الفلسفي والمعرفي. إنها دراسة مثيرة تستند على تأويل فكري عميق للميكانيزمات الخفيّة المتجذرة في تراث اللاهوت الإسلامي.

____________

نشر بموقع أطلس

مقالات ذات علاقة

ميلو…

آية الوشيش

ما فعلته رواية “قصيل”

محمد الزنتاني

نجوى بنشتوان: أن ننتصر لكرامة الإنسان ونتصالح مع التاريخ

المشرف العام

اترك تعليق